Thursday, October 15, 2020

في دير الأحمر- لبنان يطلقون عليه لقب قديس من هو...؟



في حياته كما مماته، صنع عجائب عدّة وأعاد الحياة لأناس كثر. إنه “الخوري الواعظ” كما كان يطلق عليه سابقاَ أو الأب بطرس منصف، الراهب اللبناني. هذا “القديس” الذي انتقل إلى دير الأحمر خلال الحرب اللبنانية عاش مسيرة تقوى وصلاة وكان همّه الوحيد إرشاد كل من يلتقيه الى درب يسوع.

حياته وانتقاله إلى الدير

من مواليد عام 1911 من بلدة عين زبدة في البقاع الغربي، دخل الراهب بطرس منصف إلى الرهبانية اللبنانية المارونية في دير مار جرجس الناعمة بتاريخ 20/7/1930 ونذر نذوره الرهبانية في دير الناعمة بعد سنتي الابتداء في 15/8/1932، ومن بعدها سيم كاهناً في دير سيدة المعونات – جبيل في 3/9/1939. وبين 1939 و1945 أقام في دير سيدة النصر في غوسطا، قبل أن يعيش خمس سنوات في دير مار قبريانوس ويوستينا – كفيفان حتى عام 1950. وبين 1950 و1965 أقام في دير مار انطونيوس النبطية وبعدها انتقل الى دير مار جرجس الناعمة حتى عام 1975.

 وعند بدء الحرب الاهلية في لبنان في الـ75، كرّس الأب بطرس منصف حياته في منطقة دير الاحمر حيث مكث فيها 28 سنة، حتى وفاته في 23 شباط 2004


مسيرته

وقد تميّزت مسيرة الأب بطرس منصف بالوعظ، ما جعل اهالي دير الاحمر ينادونه بـ”الخوري الواعظ”. وتشير في هذا السياق، الأخت رفقا التي رافقت الأب منصف خلال مسيرته في هذه المنطقة، في حديث إلى موقع “الكلمة أونلاين”، إلى أن الأب منصف كان رجل تأمل وصلاة، لا يضيّع وقته وكان يشدّد دائما على أن “الوقت يوازي الله”.

 تنقّل الأب “القديس” من منطقة الى أخرى سائراً على الأقدام، مبشّراً بيسوع، يوزّع السكاكر والحلوى على الاطفال ويتشارك مع الناس كلمة يسوع. لم يحب يوماً أن ينادوه قديساً فهو كان يقول “القداسة هي في البساطة، لكني انا بعيد عنها فأنا عبد بطال”. إلا أن تواضعه ومحبته الكبيرة ليسوع وترداده كلمة “الله” على لسانه جعلت منه قديساً يغار على خلاص النفوس.

 وخلال مسيرة تبشيره ولا سيما في منطقة دير الاحمر حيث ذاع صيته، تأثّر به شبان وشابات وأصبحوا يتبعون تعاليمه ويتمثّلون به. فالأب بطرس كان أحد الآباء المميّزين في عصره لانه اختار الوعظ والعمل الرسولي وكرَّس حياته للمسيح على يد العذراء مريم.

 وفي هذا السياق، تلفت الأخت رفقا إلى أن حياة الأب بطرس المتقشفة والقاسية، أعطته نهجاً خاصاً في الحياة التي انتهجها في أعمال الرسالة والوعظ، فاعتبره كلّ من عرفه قديس الرهبانيَّة، واعترفوا بغيرته على مثال إيليا النبي في خلاص النفوس. ومن شدة غيرته كان يجذب بمواعظه النفوس إلى كرسي الإعتراف والتوبة، وآخرين إلى الدعوة الرهبانية والحياة المكرَّسة، وقد أسس الكثير من الأخويات على إسم العذراء سيدة الحبل بلا دنس في القرى التي أقام فيها رياضات الصوم، وقد وصلت رسالته إلى سوريا.

 وللأب بطرس فضل كبير في تأسيس رهبانيَّة إخوة وأخوات الصليب، التي أصبحت في ما بعد “أخوات يسوع المتروك” بسبب تشابه اسم هذه الرهبنة مع رهبنة أخرى.

 عطاء مجاني من دون التعلّق بأي شخص الا الله، حتى ان البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير قد قال له في احدى المرات: “شو بعدو سيفك عم بيشرقط؟”، فأجاب الأب منصف: “كان على الميلين ولكنه اليوم على 4 ميلات”.

 في المقابل، تشير الأخت رفقا إلى أن الأب بطرس قد واجه خلال مسيرته الكهنوتية بعض الانتقادات لقوله كلمة الله كما هي، في وقت لم يعجب البعض بصلابته وقوة ايمانه.

 وكم تعجّب الإخوة الذين رافقوا “الراهب القديس” خلال مسيرته من أقواله فكان يتنبأون بعوارض مرض السرطان فيؤكد أن هذا الأخير قد يبدأ بزكام عادي ليكتشف في ما بعد أنه جرثومة، وكان يتحدّث دائما عن موضة الثياب حيث توقّع أن تصل الصيحات في أيامنا هذا الى رسم اوشام على الاجسام ووضع الأقراط في مناطق مختلفة منه، إضافة الى ارتداء الثياب الممزّقة والقصيرة وإظهار البطن والصدر في الألبسة التي يرتديها جيل اليوم

وفاته

وفي 23 شباط 2003، في يوم عاصف ومثلج، ودّع الأب بطرس منصف الحياة في مستشفى “الخوري” في زحلة. “رحيله كان متواضعاً مثله”، تخبر الاخت رفقا. “ودّعني وقال لي: قطعت تذكرة سفر إلى الابدية. أنا ذاهب. أرجوك أنت والراهبات الا تتركوا الدير. وأوصي الله بكم. لكن قبل توديعي، توجهي الى السوق واشتري طعاما فهناك أرملة في البلدة جائعة”.

 وبعد الظهر، بدأ الأب بطرس يرتجف من البرد، ولكنه لم يذهب للمستشفى الا بعد إذن من رئيس الرهبنة. وهناك في المستشفى في زحلة، عاينه الطبيب وأكد أن عليه البقاء ليلة في المستشفى لمراقبته.

 وبعد ترك الإخوة الراهب عند السابعة مساء، تلقوا في ما بعد خبر وفاته بعد ربع ساعة من مغادرتهم المستشفى. “كانت المرة الاولى التي يقول فيها لنا بونا بطرس ان نرحل من كل قلبه”، تخبر الاخت رفقا.

 وبعد مشاكل عدة حول مكان دفن الأب بطرس، نفّذت وصيته ودفن في مدفن كان قد بناه قرب دير أخوات الصليب في دير الأحمر، حيث سعى وسهر على نشأة هذه الرهبانية التي أسسها ببركة وإشراف المطران فيليب شبيعه.

أعاجيبه

وفي سياق آخر، تؤكد الأخت رفقا أن للأب بطرس أعاجيب كثيرة حصلت منها قبل وفاته وأخرى من بعدها.

 وتشير إلى أنه خلال حياته، لم يبقَ خلال الحرب قمح ليأكلوا في الدير. واتى إليه أحد العاملين واخبره بالامر، فاصرّ الاب بطرس على ذهاب العامل الى مكان القمح وجلبه من هناك. وبعد أن ثار غضبه، توجّه العامل الى مكان القمح ووجده ينتشر على الارض.

 وفي المقابل، استطاع الأب بطرس شفاء أخيه المطران أسعد عمار من مرض السرطان بعد أن كان في وضع خطير وعلى شفير الموت.

 كذلك، شفى الراهب “القديس” أحد الاشخاص في زحلة كان قد فقد الاطباء الامل من تعافيه.

 أما ابنة أخيه المحامية التي لم تكن تعرفه، فقد طلبت من والدها ان يخبر الاب بطرس بضرورة صلاته لها لانها كانت تحضر لامتحانات مهمة. وخلال استحقاقها، لم تستطع المحامية الاجابة على واحد من الاسئلة فقالت بقلبها: “ولو يا بونا ما عم تصليلي؟”، وما هي الا لحظات حتى فتح كتاب امامها واصبح تكتب بطلاقة، حتى انها حصلت على علامة مميزة في الامتحان. إلا أنه للاسف، في اليوم الذي ذهبت المحامية الى الاب بطرس لتشكره، علمت بخبر وفاته.

 وفي وادي الرطل، رأى الاهالي مرات عدة “الخوري الواعظ” يتنقل من سطح منزل الى آخر وهو يصلّي، حتى ان رئيس مخفر زحلة آنذاك جوزيف ضاهر يخبر كيف التقاه يوماً مارا من جنب المخفر، وما هي الا لحظات حتى رآه فوقه في الجو.

 وفي المعمرية، أثناء صلاة هذا الراهب على احدى الاسطح التي تعلو 7 امتار، سقط على الارض لكنه لم يصب باي مكروه وقالت له العذراء في حينها: “قم، لم يأتِ دورك بعد”.

 وتابعت الاخت رفقا سرد أخبار أعاجيبه، لافتة إلى أنه في أحد الايام أخبرها الاب انه سيأتي نحو 75 زائرا الى الدير وعليه تحضير بعض الطعام لهم. لكنها اصرّت على عدم وجود اي شيء في الدير سوى 5 كيلوغرامات من الارز، غير أنه لم يردّ عليها واجابها “عملي شي من قريبو”. فتوترت الاخت رفقا، ولم تعلم ماذا تحضر. واثناء اعداها الارز، مرّت عربة قرب الدير محمّلة انواعا منوّعة من الاطعمة.

 من جهة أخرى، أكدت الاخت رفقا ان الاب بطرس استطاع اعادة الحياة لفتاة في الـ17 من عمرها في المعمرية بعد وفاتها بساعتين وبعد تحضير اوراق النعوة. إلا أن صلاته بقربها كان اقوى من الموت.

 وبعد وفاة هذا الراهب، حصلت اعاجيب عدّة أيضاَ ومن بينها حمل نساء بعد 10 سنوات على زواجهن وبعد فقدان الطبيب الامل بانجابهن.

 وفي هذا السياق، أوضحت الاخت رفقا انه لليوم لم تسجّل الكنيسة هذه العجائب وان مطران بعلبك ودير الاحمر الحالي حنا رحمة يحضّر لجنة لدرس ملف تقديسه ووضعه في روما. 

No comments:

Lebanon in Australia